- ليلة حمراء ماطرة -
---------------
إنها ليلة ماطرة ، هكذا قال المتنبئ الجوي منذ قليل ، الغيوم كانت تعتلي صهوة السماء ، نسائم الرياح بدأت تغير جلدها كما حرباء على ذروة شجرة مقفرة الجسد ، لم يعد هناك متسع من الوقت للمغادرة ، قال كريم باشا في نفسه ، لكنه تابع سهرته التي انتظرها من فترة طويلة ...
لعله صدق هذه المرة ، فحبات المطر تبدأ بمغازلة النافذة المطلة على الحديقة المشبعة برائحة الأرض ، صليل الأصوات يتغلب على صهيل المطر القادم من رحم شفاه السماء ...
- لابد لي من المغادرة ، الوقت تأخر أكثر مما ينبغي .
- وهل تخشى الظلمة ياكريم باشا ... قهقه الساهرون ...
- لا لم أكن يوما أعرف معنى الخوف ، فكيف لي أن أخشى من الظلمة ... لكني تذكرت شيئا مهما ويجب علي الرحيل .
- آه ... إنك تود الهرب من خسارة الليلة ، لا عليك لن تدفع شيئا اليوم .
ضم كريم باشا شفتيه ، عض على أسنانه البيضاء ، قذف بورقة نقدية من فئة الألف ليرة على الطاولة الخرساء ثم هب مسرعا من كرسيه الخشبي الذي ترنح آسفا .
لم يلتفت إلى كلمات الساهرين ، احتذى نعليه ومضى مختفيا في عتمة مرعبة .
لتوها حضرت ذكريات من تحت ستار أسود ، قال يوما والدي بأن هذا المكان ( مسكون ) ، تمتم بتعويذات مختلفة تداخلت فيما بينها حتى لم تعد مفهومة ، أخذ يغني بصوت مرتفع إلى حد ما ، لكن حنجرته تخونه في هذه اللحظات .
- لن أعود ... سأتابع طريقي ... كلها حكايا الكبار ... أين الجن ، ربما هم نائمون ، فالساعة تجاوزت حدود الليل ...
توقف عن الكلام فجأة ، دوي الرعد أجبره على الصمت ، مابين الخوف الآتي من بين براثن حكايا قديمة وطمأنينة دوي رعد ، تعثرت خطوات كريم ...
دقائق تمر متثاقلة كما سلحفاة هرمة ، المطر أصبح أكثر هديرا ( هل يخشى الجن من المطر والرعد !!! ... ) قالها محاولا دفع الخوف قليلا إلى الوراء .
وأخيرا تجاوز ذاك المكان المخيف حتى لمن يمر منه نهارا ، حتى الطيور التي بنت أعشاشها في زواياه تبدو وكأنها تهابه ، طرق باب بيته بقوة ، كانت ثيابه قد نالت حماما باردا ، الطريق لم يكن قصيرا كما كان يظن ، وربما الخطوات أقفلت خطوطها على توقيت دقات قلبه الرابض في واد سحيق ...
- أين أمك يابني ...
- أمي !!! ...
سكت الطفل دون أن يجيب على سؤال أبيه .
- ألم تسمعني ... أين أمك ...
- ذهبت إلى بيت جدي وتركت لك هذه الورقة .
ناوله ورقة صغيرة ثم توارى في ركن غرفة شبه مضاءة ، قرأ كريم باشا جملة واحدة كتبتها زوجته على تلك الورقة ، لم يكن للدموع مكان في ذلك الوقت ( ضاعت الليلة الحمراء ) ... ارتمى على أريكة مكسرة الأجنحة .
-------------
وليد.ع.العايش
٢٥/١/٢٠١٧م
---------------
إنها ليلة ماطرة ، هكذا قال المتنبئ الجوي منذ قليل ، الغيوم كانت تعتلي صهوة السماء ، نسائم الرياح بدأت تغير جلدها كما حرباء على ذروة شجرة مقفرة الجسد ، لم يعد هناك متسع من الوقت للمغادرة ، قال كريم باشا في نفسه ، لكنه تابع سهرته التي انتظرها من فترة طويلة ...
لعله صدق هذه المرة ، فحبات المطر تبدأ بمغازلة النافذة المطلة على الحديقة المشبعة برائحة الأرض ، صليل الأصوات يتغلب على صهيل المطر القادم من رحم شفاه السماء ...
- لابد لي من المغادرة ، الوقت تأخر أكثر مما ينبغي .
- وهل تخشى الظلمة ياكريم باشا ... قهقه الساهرون ...
- لا لم أكن يوما أعرف معنى الخوف ، فكيف لي أن أخشى من الظلمة ... لكني تذكرت شيئا مهما ويجب علي الرحيل .
- آه ... إنك تود الهرب من خسارة الليلة ، لا عليك لن تدفع شيئا اليوم .
ضم كريم باشا شفتيه ، عض على أسنانه البيضاء ، قذف بورقة نقدية من فئة الألف ليرة على الطاولة الخرساء ثم هب مسرعا من كرسيه الخشبي الذي ترنح آسفا .
لم يلتفت إلى كلمات الساهرين ، احتذى نعليه ومضى مختفيا في عتمة مرعبة .
لتوها حضرت ذكريات من تحت ستار أسود ، قال يوما والدي بأن هذا المكان ( مسكون ) ، تمتم بتعويذات مختلفة تداخلت فيما بينها حتى لم تعد مفهومة ، أخذ يغني بصوت مرتفع إلى حد ما ، لكن حنجرته تخونه في هذه اللحظات .
- لن أعود ... سأتابع طريقي ... كلها حكايا الكبار ... أين الجن ، ربما هم نائمون ، فالساعة تجاوزت حدود الليل ...
توقف عن الكلام فجأة ، دوي الرعد أجبره على الصمت ، مابين الخوف الآتي من بين براثن حكايا قديمة وطمأنينة دوي رعد ، تعثرت خطوات كريم ...
دقائق تمر متثاقلة كما سلحفاة هرمة ، المطر أصبح أكثر هديرا ( هل يخشى الجن من المطر والرعد !!! ... ) قالها محاولا دفع الخوف قليلا إلى الوراء .
وأخيرا تجاوز ذاك المكان المخيف حتى لمن يمر منه نهارا ، حتى الطيور التي بنت أعشاشها في زواياه تبدو وكأنها تهابه ، طرق باب بيته بقوة ، كانت ثيابه قد نالت حماما باردا ، الطريق لم يكن قصيرا كما كان يظن ، وربما الخطوات أقفلت خطوطها على توقيت دقات قلبه الرابض في واد سحيق ...
- أين أمك يابني ...
- أمي !!! ...
سكت الطفل دون أن يجيب على سؤال أبيه .
- ألم تسمعني ... أين أمك ...
- ذهبت إلى بيت جدي وتركت لك هذه الورقة .
ناوله ورقة صغيرة ثم توارى في ركن غرفة شبه مضاءة ، قرأ كريم باشا جملة واحدة كتبتها زوجته على تلك الورقة ، لم يكن للدموع مكان في ذلك الوقت ( ضاعت الليلة الحمراء ) ... ارتمى على أريكة مكسرة الأجنحة .
-------------
وليد.ع.العايش
٢٥/١/٢٠١٧م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق