قريةُ الفراشاتِ
القِصّةُ الخامسةُ
بابا سنفور في قريةِ الفراشاتِ
في يومٍ من الأيّامِ مرِضَت سنفورةُ مرضًا شديدًا ألزمَها الفِراشَ. حزِنَ السّنافرُ كثيرًا حين رأَوها شاحبةً هزيلةً.
أحضر بابا سنفور لها طبيبَ القريةِ الّذي فحصَها، ثمَّ قال إنّ علاجها هو جرعاتٌ يوميّةٌ لمدّةِ أسبوعٍ من (رحيقِ زهرةِ الياسمين).
شعرَ بابا سنفور بالحزنِ فمِن أين يأتي بهذا الدّواءِ، ولا سيّما أنّهُ ليسَ في قريتِهم أيّةُ عريشةِ ياسمينٍ.
ثمّ تساءلَ: وكيف لي أن أستخلصَ رحيقَ تلك الزّهرة؟
فأجابَه سنفور (مُفكِّر) على الفور:
اذهب إلى قريةِ الفراشاتِ يابابا سنفور، فليس لنا سواهنَّ كي نحصلَ على الدّواءِ لسنفورة.
أُعجبَ بابا سنفور بالفكرة ومع الصّباحِ الباكرِ كانَ في قريةِ الفراشاتِ الّتي أدهشَتْهُ بنظافتِها، وحُسنِ تنظيمِها.
وبينما كان محتارًا: أينَ قصرُ الملكةِ، رفرفتْ فراشةٌ صفراءُ بالقُربِ منهُ مُرَحِّبةً:
أهلاً بابا سنفور سعيدةٌ أنّكَ في قريتِنا!
ثمَّ عرفَتْ وجهتَهُ، ودلَّتْهُ على قصرِ الفراشةِ البيضاءِ (الملكةِ).
دخل بابا سنفور القصرَ، وألقى السّلامَ بأدبٍ ولطفٍ
على الملكةِ، ثمّ أخبرَها سببَ زيارَتِهِ.
استدعتِ الملكةُ فراشاتِ المملكةِ وطلبَتْ مُتَبَرِّعاتٍ للذّهابِ إلى المدينةِ، ففي قريتِهنَّ أيضًا لا توجدُ هذه الزّهرةُ الجميلةُ.
تفاجأتِ الملكةُ بحماسةِ الفراشاتِ ورغبةِ كلِّ واحدةٍ منهنَّ بتأديةِ هذه المهمةِ النّبيلةِ، لكنَّها اختارَتْ ثلاثًا منهنَّ فقط، وأرسلَتهُنَّ داعيةً لهنَّ بالسّلامةِ.
وصلتِ الفراشاتُ إلى المدينةِ الّتي كانت بعيدةً عن قريتِهنَّ، لكنَّ حبّهنَّ لعملِ الخيرِ لمْ يُشعرْهنَّ بالتّعبِ.
ولم يكدْنَ يصِلْنَ حتّى صافحَتْهنَّ رائحةُ الياسمينِ الشّذيّةِ، فأسرَعْنَ إلى إحدى شُرفاتِ البيوتِ، وامتَصَصْنَ رحيقَ زهراتِ الياسمينِ، ووضَعنَهُ في وعاءٍ زجاجيٍّ صغيرٍ كنَّ قد حملنَهُ معهنَّ.
فرِحنَ كثيرًا بنجاحِ مهمتّهنَّ، وسارعْنَ بالرّجوعِ إلى قريتهنَّ. في رحلةِ العودةِ هبَّتْ ريحٌ قويّةٌ كادَتْ تُهلِكُ أجنحتَهنَّ الرّقيقةَ، لكنّهنَّ لم يخشَينَ عليها قدرَ خشيتِهِنَّ على الرّحيقِ/ دواءِ السّنفورةِ المريضةِ.
فقالتْ أكبرهنَّ سِنّاً:
لِنَحتمِ في ظلِّ شجرةٍ حتّى تهدأَ هذي الرّيحُ العاتيةُ.
في هذه الأثناءِ قلقتِ الملكةُ الحكيمةُ، وقالتْ في أسىً:
ماأخَّرَهُنَّ؟
أتُراهُنَّ تعَرَّضْنَ لِخَطَرٍ ما؟
آهٍ، يا ويلي إنْ أصابَهُنَّ مكروهٌ بِسَببي!
ثمَّ أردفَتْ في انزعاجٍ:
أيُعقَلُ أن تكونَ المدينةُ قد سحرَتهُنَّ بجمالِها، ورفاهيَّةُ بيوتِها، وطُرُقِها، فانشغلْنَ، ونسينَ مهمّتَهُنَّ النّبيلةَ؟
أمّا الفراشاتُ فقد استأنَفْنَ رحلتَهنَّ إلى القريةِ، بعدَ أن هدأتِ الرّيحُ، وزال الخطرُ عنهنَّ
عندَ وصولِهِنَّ كانَ كلُّ مَن في القريةِ قلقًا عليهنَّ، فبادرَتِ الفراشاتُ بالتّصفيقِ مهلِّلاتٍ عندَ رؤيتِهِنَّ سالماتٍ، وهنَّ يحمِلْنَ بِعَناءٍ الوعاءَ الزُّجاجِيَّ الصّغيرَ.
بعد أن شكرهنَّ بابا سنفور مضى مُتلهّفًا إلى قريتِهِ، وهو يفكّرُ في سنفورة المريضة.
أمّا الملكةُ بعد أن قصَّتْ عليها الفراشاتُ- العائداتُ من المدينةِ- ما جرى معهنَّ قامتْ بتكريمِهِنَّ في صباحِ اليومِ التّالي وإهدائِهنَّ لكلِّ واحدةٍ وسامًا على شكلِ زهرةِ ياسمينٍ.
مرّتْ بضعةُ أيّامٍ، ثمَّ تفاجأَتِ الفراشاتُ بضَيفَينِ محبوبَينِ في قريتِهِنَّ.
وسطَ رفرفةِ الفراشاتِ الملوَّنةِ جرى الاحتفاءُ بسنفورة الّتي تعافَتْ، فاصطحبَها بابا سنفور ليُقدِّما الشّكرَ للملكةِ وفراشاتِها الرّقيقاتِ اللواتي أحضرْنَ الدّواء لسنفورة.
بعد ذلكَ قدَّمَ بابا سنفور للفراشةِ البيضاءِ الملكةِ شتلةَ ياسمينٍ صغيرةٍ كان قد سافرَ إلى المدينةِ وأحضرَها كهديّةٍ للملكة الحكيمةِ، ثمَّ قامَ بِغَرسِها في حديقةِ قصرِ الملكةِ كي تظلَّ تذكارًا جميلًا، وعُربونَ وفاءٍ من قريةِ السّنافرِ إلى قريةِ الفراشاتِ.
ومن يومِها باتت عرائشُ الياسمينِ تزيّنُ
قريةَ الفراشاتِ، وتفوحُ عبقًا شذيًّا على صباحاتِها.
ميَّادة مهنَّا سليمان
القِصّةُ الخامسةُ
بابا سنفور في قريةِ الفراشاتِ
في يومٍ من الأيّامِ مرِضَت سنفورةُ مرضًا شديدًا ألزمَها الفِراشَ. حزِنَ السّنافرُ كثيرًا حين رأَوها شاحبةً هزيلةً.
أحضر بابا سنفور لها طبيبَ القريةِ الّذي فحصَها، ثمَّ قال إنّ علاجها هو جرعاتٌ يوميّةٌ لمدّةِ أسبوعٍ من (رحيقِ زهرةِ الياسمين).
شعرَ بابا سنفور بالحزنِ فمِن أين يأتي بهذا الدّواءِ، ولا سيّما أنّهُ ليسَ في قريتِهم أيّةُ عريشةِ ياسمينٍ.
ثمّ تساءلَ: وكيف لي أن أستخلصَ رحيقَ تلك الزّهرة؟
فأجابَه سنفور (مُفكِّر) على الفور:
اذهب إلى قريةِ الفراشاتِ يابابا سنفور، فليس لنا سواهنَّ كي نحصلَ على الدّواءِ لسنفورة.
أُعجبَ بابا سنفور بالفكرة ومع الصّباحِ الباكرِ كانَ في قريةِ الفراشاتِ الّتي أدهشَتْهُ بنظافتِها، وحُسنِ تنظيمِها.
وبينما كان محتارًا: أينَ قصرُ الملكةِ، رفرفتْ فراشةٌ صفراءُ بالقُربِ منهُ مُرَحِّبةً:
أهلاً بابا سنفور سعيدةٌ أنّكَ في قريتِنا!
ثمَّ عرفَتْ وجهتَهُ، ودلَّتْهُ على قصرِ الفراشةِ البيضاءِ (الملكةِ).
دخل بابا سنفور القصرَ، وألقى السّلامَ بأدبٍ ولطفٍ
على الملكةِ، ثمّ أخبرَها سببَ زيارَتِهِ.
استدعتِ الملكةُ فراشاتِ المملكةِ وطلبَتْ مُتَبَرِّعاتٍ للذّهابِ إلى المدينةِ، ففي قريتِهنَّ أيضًا لا توجدُ هذه الزّهرةُ الجميلةُ.
تفاجأتِ الملكةُ بحماسةِ الفراشاتِ ورغبةِ كلِّ واحدةٍ منهنَّ بتأديةِ هذه المهمةِ النّبيلةِ، لكنَّها اختارَتْ ثلاثًا منهنَّ فقط، وأرسلَتهُنَّ داعيةً لهنَّ بالسّلامةِ.
وصلتِ الفراشاتُ إلى المدينةِ الّتي كانت بعيدةً عن قريتِهنَّ، لكنَّ حبّهنَّ لعملِ الخيرِ لمْ يُشعرْهنَّ بالتّعبِ.
ولم يكدْنَ يصِلْنَ حتّى صافحَتْهنَّ رائحةُ الياسمينِ الشّذيّةِ، فأسرَعْنَ إلى إحدى شُرفاتِ البيوتِ، وامتَصَصْنَ رحيقَ زهراتِ الياسمينِ، ووضَعنَهُ في وعاءٍ زجاجيٍّ صغيرٍ كنَّ قد حملنَهُ معهنَّ.
فرِحنَ كثيرًا بنجاحِ مهمتّهنَّ، وسارعْنَ بالرّجوعِ إلى قريتهنَّ. في رحلةِ العودةِ هبَّتْ ريحٌ قويّةٌ كادَتْ تُهلِكُ أجنحتَهنَّ الرّقيقةَ، لكنّهنَّ لم يخشَينَ عليها قدرَ خشيتِهِنَّ على الرّحيقِ/ دواءِ السّنفورةِ المريضةِ.
فقالتْ أكبرهنَّ سِنّاً:
لِنَحتمِ في ظلِّ شجرةٍ حتّى تهدأَ هذي الرّيحُ العاتيةُ.
في هذه الأثناءِ قلقتِ الملكةُ الحكيمةُ، وقالتْ في أسىً:
ماأخَّرَهُنَّ؟
أتُراهُنَّ تعَرَّضْنَ لِخَطَرٍ ما؟
آهٍ، يا ويلي إنْ أصابَهُنَّ مكروهٌ بِسَببي!
ثمَّ أردفَتْ في انزعاجٍ:
أيُعقَلُ أن تكونَ المدينةُ قد سحرَتهُنَّ بجمالِها، ورفاهيَّةُ بيوتِها، وطُرُقِها، فانشغلْنَ، ونسينَ مهمّتَهُنَّ النّبيلةَ؟
أمّا الفراشاتُ فقد استأنَفْنَ رحلتَهنَّ إلى القريةِ، بعدَ أن هدأتِ الرّيحُ، وزال الخطرُ عنهنَّ
عندَ وصولِهِنَّ كانَ كلُّ مَن في القريةِ قلقًا عليهنَّ، فبادرَتِ الفراشاتُ بالتّصفيقِ مهلِّلاتٍ عندَ رؤيتِهِنَّ سالماتٍ، وهنَّ يحمِلْنَ بِعَناءٍ الوعاءَ الزُّجاجِيَّ الصّغيرَ.
بعد أن شكرهنَّ بابا سنفور مضى مُتلهّفًا إلى قريتِهِ، وهو يفكّرُ في سنفورة المريضة.
أمّا الملكةُ بعد أن قصَّتْ عليها الفراشاتُ- العائداتُ من المدينةِ- ما جرى معهنَّ قامتْ بتكريمِهِنَّ في صباحِ اليومِ التّالي وإهدائِهنَّ لكلِّ واحدةٍ وسامًا على شكلِ زهرةِ ياسمينٍ.
مرّتْ بضعةُ أيّامٍ، ثمَّ تفاجأَتِ الفراشاتُ بضَيفَينِ محبوبَينِ في قريتِهِنَّ.
وسطَ رفرفةِ الفراشاتِ الملوَّنةِ جرى الاحتفاءُ بسنفورة الّتي تعافَتْ، فاصطحبَها بابا سنفور ليُقدِّما الشّكرَ للملكةِ وفراشاتِها الرّقيقاتِ اللواتي أحضرْنَ الدّواء لسنفورة.
بعد ذلكَ قدَّمَ بابا سنفور للفراشةِ البيضاءِ الملكةِ شتلةَ ياسمينٍ صغيرةٍ كان قد سافرَ إلى المدينةِ وأحضرَها كهديّةٍ للملكة الحكيمةِ، ثمَّ قامَ بِغَرسِها في حديقةِ قصرِ الملكةِ كي تظلَّ تذكارًا جميلًا، وعُربونَ وفاءٍ من قريةِ السّنافرِ إلى قريةِ الفراشاتِ.
ومن يومِها باتت عرائشُ الياسمينِ تزيّنُ
قريةَ الفراشاتِ، وتفوحُ عبقًا شذيًّا على صباحاتِها.
ميَّادة مهنَّا سليمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق